AMIT_GERON_IMG_4039-aspect-ratio-x

بستنة مستدامة

تميّزت البَستنة في القرن الماضي بتصميمِ الحدائق على مستوًى عالٍ من الصيانة، من خلال الاستعانة بتزيين النباتات وبأسس خارجية غريبة عن البيئة، إلى جانب الاستخدام المُفرِط للأسمدة والمبيدات غير الودودة للبيئة. رغم أنّ هذه الطريقة أدّت إلى نتائج فوريّة، إلا أنّ الثمن كان غاليًّا: تلوّث البيئة والمياه الجوفيّة، استنزاف خصوبة التربة، النباتات الغازية، ساعات العمل الطويلة لضبط النموّ السريع واستخدام المعدّات الميكانيكيّة على نحوٍ دائم.

IMG_1873
مع زيادة الوعي العالميّ بخصوص الهدر والضّرر البيئيّ الكامنيْن في هذا التوجّه، ظهر توجّه معاكس يطالبُ بإنشاء علاقاتٍ تبادليّة مستديمة في حديقة الزينة. تُعرَّف البستَنة المُستدامة بأنّها بستَنة تراعي احتياجات الجيل الحاليّ دون الإضرارِ باحتياجات الأجيال القادمة. إنها تشمل تخطيط حديقةٍ تُراعي المُركّبات الموجودة في الموقع – المنظر الطبيعيّ، التربة، البيئة والنباتات المُلائمة للمنطقة، وتتميّز بمستوى صيانة منخفض وبتطبيق أساليب بستَنة تُثري خصوبة التربة، تُعزّز المقاومة الطبيعيّة للنبتة ضدّ الأمراض والأجسام الضارّة، والامتناع قدر الإمكان عن استخدام أسمدة وموادّ كيميائيّة. الهدف الأساس للبَستَنة التي من هذا النوع هو الوصول إلى تحقيق توازن بين جميع مركّبات الحديقة على المدى البعيد.
رمات هنديف بالأرقام
أبوابُ رمات هنديف مفتوحةٌ أمام الزّائرين 365 يومًا في السنة (باستثناء يوم الغفران). يدخل الموقع أكثر من 300 ألف زائر سنويًّا، ويتمتّعون بمساحات البارك الطبيعيّ الشّاسعة التي تمتدّ على 4,500 دونم، وتضمّ مسارات للمشي ومسالك للدرّاجات الهوائيّة. في قلب البارك الطبيعيّ، تمتدّ على مساحة 70 دونمًا حدائق الذكرى للبارون روتشيلد وعقيلته.
كحلقة وصل بين مركزي الاهتمام هذيْن، يقع مجمّع مركز الزّائرين، الذي يتمّ فيه – جنبًا إلى جنب – الاعتناء بنباتات بريّة بارزة، وبنباتات مزروعة.
تتجلّى البستَنة المستدامة من خلال حدائق الذكرى، مركز الزّائرين و”المساحة الخضراء” بأشكالٍ عدّة:
1. رعاية موارد المنظر الطبيعي: تمّ من خلال تخطيط حدائق الذكرى، منذ 1936، تخصيص أقلّ من 50% من مناطق الحديقة للنباتات المزروعة. بقية المساحة (نحو 40 دونمًا) ظلّت مزيّنة بنباتات بريّة محليّة. عمليًّا، في فصول السّنة الأربعة، يحظى زوّار الحديقة برؤية مناظر نباتيّة طبيعيّة داخل الحدائق نفسها.
في فصل الصيّف الجافّ، تبرز النباتات المزروعة بألوان أوراقها المختلفة (مثل الأكاليفا والدورانتا الذهبيّة) وبنسيجها الخلاب (مثل الأسبراجوس الكثيف الأزهار). الأغلبيّة العظمى من النباتات تُعتبر مُتعدّدة السّنوات، ولا تحتاج إلى صيانةً مُكثّفة.
أثناء بناء مركز الزوّار، استُثمرَت جهودٌ كبيرةٌ للحفاظ على ثراء المنظر الطّبيعيّ الراهن، مثل شجر الخرّوب، الصنوبر والبلّوط. في عمليّة البستنة، تمّ دمج صخورٍ جميلة، بما عليها من نباتات. الصخور التي حُفرَت في المكان تمّ طحنُها ودمجُها أثناء البناء.
تمتدّ على سطح المبنى أرض مختلطةٌ مع صخور مطحونة وغنيّة بالسّماد من إنتاج رمات هنديف.

بالإضافة إلى ذلك، وانطلاقًا من الوعي والتخطيط، تمّ تقليص عدد الأماكن المخصصة لركن السيّارات من أجل زرع أشجار كثيرة يُمكنها، مستقبلا، أن تُظلِّل نحو 80% من مساحة موقف السيّارات.

18-07-2013125
2. إدارة مورد المياه: في داخل حدائق الذكرى، تمّ تركيبُ نظامِ ريّ يتمّ الإشراف عليه عن بُعد. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تقليص كميّات المياه لرَيّ العشب والشجيرات. إنّ مساحات أسرّة الورود الموسميّة التي تحتاج إلى كميّات مياه كبيرة نسبيًّا، تمّ تقليصها إلى واحدٍ في المائة من مساحة الحديقة، ليمتلئ المكان بنباتات عديدة السّنوات تستهلك كميات قليلة من المياه.
أ. خلال بستَنة مركز الزوّار، تمّت زراعة نباتات بريّة أرض-إسرائيليّة، ملاءَمة للمُناخات المحليّة، يُمكن، بعد أن يتمّ تركيز موقعِها بشكلٍ مناسب، قطعُها عن خطوط الريّ بالتنقيط والاكتفاء بمياه الشّتاء، على سبيل المثال: التوابل والأعشاب الطبيّة (إكليل الجبل، الخزامى، الزوفا، المردقوش، السّذاب المهدّب، الشيح العُشبي، المريميّة الطبيّة، عشبة الشّاي والمزيد)، أعشاب وأشجار مثل الزيتون الأوروبي، القيقب السوريّ، المستكة، السنديان العادي، السنديان الطابوري، القُرِّيضة مرميّة الأوراف، القُرِّيضة الكريتيّة، الكرمة البريّة، الزمزريق الأثيبيّ، الزّرود عريض الأوراق، إلى جانب الدرنات والبصيلات مثل بخور مريم الفارسي.
ب. توجيه المياه الهامشيّة (مياه المكيّفات) والدّاكنة من مبنى مركز الزوّار والمكاتب، إلى ماكنة تنقية بواسطة قرص حيويّ. تتدفّق المياه النقيّة من الماكنة إلى مساحات الريّ في منطقة الخدمة من خلال خطوط تنقيط أرجوانيّة.
ج. يحتوي مركز الزوّار على مياه جارية مُصرَّفةٌ إلى أربع آبار تصريف، تنزلقُ إلى التربة عبر حفر تسريب. يتمّ امتصاص المياه في الحديقة في مساحات البَستَنة.
د. إنّ تغطية التربة بنشارة خشبيّة تُعتبر طريقةٌ ممتازةً للحفاظ على رطوبة التربة وعلى درجة حرارة مُريحة للجذور، لتقليص الإشعاع المتكرِّر، للمساعدة في الريّ، لمنع نموّ أعشاب مُبرعمة، ولإثراء التربة بتحلّل النشارة البطيء.
גינון בר קיימא, במערב הגנים
3. صفر من النفايات في الحديقة: كلّ الموادّ الخضراء الخارجة من الحدائق أو التي يتمّ جمعها في البارك الطبيعيّ، يتمّ إرسالها إلى موقع الأسمدة التّابع لرمات هنديف، حيث يتمّ طحنُها هناك، جمعها في أكوام حيث تتحلّل ببطء. التربة، الصخور وجذوع الأشجار تُحفَظ في المكان، وتُدمَج من جديدٍ عند الحاجة.
4. حديقة بلا موادّ سامّة: إضافةً إلى الأبحاث الأكاديميّة التي تُجرى في مساحات البارك الطبيعيّ وفي الحدائق، التي تتناول مواضيع بيئيّة مختلفة، هناك ميْلٌ إلى تقليل استخدام الأسمدة والمبيدات بمواد كيميائيّة في الحديقة. الفكرة هي أنّ النبتة المزروعة في الظروف البيئيّة المناسبة لها، ستصل إلى أفضل مستوياتها، وستكون مُحصَّنةً ولن تكون هناك حاجة إلى علاجاتٍ خاصّة. لا يتمّ في حدائق الذكرى استخدام نفّاخ هوائيّ ويتمّ إجراء تتبّع ورصد مبكرين للأمراض والحشرات الضارّة.
5. دمج منطقة نباتيّة محليّة: حديقة قزحيّات الزنابق التي تمّ جمعُها من موائل منتشرة في أنحاء البلاد، زُرِعَت ودُفِنَت في المساحات الشاملة (بَستَنة على أساس ترسبات موسم الشتاء فقط، دون الحاجة إلى ريٍّ في موسم الصيف) في داخل حدائق الذكرى. كذلك، يضم الموقع مكانًا خاصًّا لحماية أنواع بريّة نادرة، تحظى برعايةٍ في مساحات مشتل رمات هنديف، لهدف زرعها في حديقةٍ تستوعبُ أنواع النباتات النادرة، التي تقع في “حديقة الاستدامة” ضمن المساحة الخضراء.

6. حديقة تجذب الحيوانات: حديقة مُستدامة مُعدّةٌ لجذب حيوانات محليّة من خلال إنشاء بيئة حياةٍ داعمة لها. إلى جانب أنواع الطيور المغرِّدة التي توفّر لها أغصان أشجار الحديقة حمايةً، ومكانًا لبناء أعشاشها، كما توفّر لها طعامها، أضيفَ أيضًا سكّان حديقة كفّ القدم البيئيّة. ترتكزُ هذه الحديقة الأخاذّة على منطقة نباتيّة تجذب الفراشات لغرض الحصول على الرحيق وللتلقيح. تُعتبر الفراشات بمثابة مؤشّرات حيويّة لتحقيق توازنٍ في بيئتها، وتُعبّر برفرفتها عن التنوّع البيولوجي المُتاح لها.

2002080207
7. التفاعلات الإيجابيّة بين البيئة والإنسان: تخدمُ الحدائقُ، منذ ما يزيد عن 50 عامًا، الجمهورَ الرّحبَ الذي يحضر إليها لزياراتٍ عابرة ولإقامة نشاطات تربويّة ومناسبات ثقافيّة، مثل حفلات موسيقيّة في ظلال الأشجار وعلى المدرّج، ونشاطات تحافظ على علاقةٍ مع الجمهور، مثل متطوّعين في مجالات العمل المختلفة في رمات هنديف. يكون كلّ ذلك من خلال مراعاة الحيوانات والنباتات المحليّة، سواء من خلال إنشاء بيئة حياتيّة داعمة بالنسبة لها، أو من خلال تحديد ساعات العمل من أجل ترك المساحة للحيوانات في ساعات المساء.
يتمّ تطبيقُ عمليّة دمجِ أشخاصٍ ذوي احتياجات بوصفها قيمةً رائدةً في مجتمعٍ مُستدام في رمات هنديف، من خلال برامج البستَنة العلاجيّة. يتمّ في إطار البرنامج دمج أشخاصٍ من شرائح مختلفة ضمن عمل بستنةٍ في أنحاء حدائق الذكرى، للعناية بحديقة كفّ القدم والعمل في الحديقة العلاجيّة التي تمّ تصميمُها وإعدادُها بشكلٍ يُلائم قدراتهم واحتياجاتهم. في داخل الحديقة هناك طاولة عمل تظلّلها الأشجار، حديقة جميلة وبركة ماء، حديقة خضار ومطبخ، وحديقة شخصيّة لكلّ واحدٍ من المشاركين في البرنامج. في الحقيقة، يُعتبر دمج هذه الشريحة السكانيّة بمثابة مقولة ضمنية حول أهميّة تقبّل الآخر المُختلِف في المجتمع.
إنّ رؤيا رمات هنديف، التي تتجلّى في التزام المكان بإنشاء علاقات تبادلية متناغمةٍ بين الإنسان والطبيعة، تنعكسُ في تطبيق البستَنة المُستدامة في أنحاء الحدائق وفي البارك الطبيعيّ، من خلال مشاركة الجمهور المهنيّ والهاوي في المعلومات المتعلّقة بهذا المجال التي تراكمت على مرّ السنين.